أسرابُ الطيور تندفع في تشكيلاتٍ هندسيّةٍ
تَستعرض جمالَ التكوين،
تقرأ جيّدًا ما سُطِّر أزلًا في لوحِها المحفوظ.
هل جئتَ تسألُني عن لوحي؟
لَم تسألِ الريحُ الطيورَ السماويّةَ هذا السؤال.
***
الليل يَمسحُ ألوانَ الزهور،
الصبحُ يُشرق،
الندى ما يزال يغطّي الغصونَ النشوى،
والشمسُ تعيد إلى الزهور ألوانَها الممسوحة.
هل جئتَ تسألني عن لوني؟
لم يسألِ الندى الباردُ الزهورَ هذا السؤال.
***
النهر يولَدُ على الجبال
يجري مئاتِ الأميالِ حتّى المصبّ،
ويكون البحرُ قد فتح ذراعيْه
وفتح قلبَه
متلهّفًا على تغلغلات العذوبة.
هل جئتَ تسألني عن وطني؟
لم تسألِ الشواطئُ العديدةُ النهرَ هذا السؤال.
***
تقرأ دودةُ القزّ مئاتٍ من أوراق التوت
آن الأوانُ، يا دودةُ، لتكتبي سيرتَكِ الذاتيّة
وقصائدَ الحرير
وحكاياتِ الشجرة.
ها هي تَشْرع في بناء الشرنقة.
هل جئتَ تسألني عن وحيي؟
لم يسألِ الحريرُ الدودةَ هذا السؤال.
***
إذا انبجس الأخضرُ الزاهي في المروج مع الربيع،
إذا تفتّقتِ الأكمامُ عن ابتسامِ الزهور،
إذا ضحك الطفلُ بعد بكاءٍ عارض،
إذا سكن النهرُ بعد أن شقّ له طريقًا في البرّيّة،
إذا رسم قوسُ قزح محرابًا في جدار السماء،
فإنّهم في صلاة.
هل جئتَ تسألني عن ديني؟
ولِمَ لا تتوجّه إلى هؤلاء الأطهارِ بالسؤال؟!
***
يا أسماكَ السلمون الرحّالة،
أيّها النمسُ الذي يضرب الأفعى على رأسها،
أيّها الببغاءُ القابعُ في سجنه الأبديّ
ولا يكفّ عن التقليد،
أيّها الحمارُ الوحشيّ الذي دمّر وجهَ الأسد برفصةٍ رهيبة،
أيّتها الأسماكُ التي لا تَقْرب الطُّعمَ اللذيذ،
أيّتها السلحفاةُ التي تمشي ببطء لأنّها منشغلة
تستظهر ما حفظَتْه من الإلياذة والأوديسة،
أيّها البلبل الذي يحتفي بالشروق فوق عذباتِ
شجرةٍ قريبة من نافذتين،
يا هؤلاء، ويا هؤلاء،
عندي لكم ألفُ سؤالٍ وسؤال
ولكنّي أستحيي؛
فلم يسألني أحدٌ منكم من قبل أيَّ سؤال.
مصر