هل نحن مستعدّون لالقاءٍ نظرةٍ متأنّية على موريتانيا؟ إذا كنّا مُستعدين فعلًا، وقد هيّأتْ لنا مجلّةُ الآداب الفرصةَ، فلنخضْ غمارَ هذه التجربة، فاتحين البابَ أمام إمكانيّة زحزحة اعتقاداتٍ مسبّقةٍ عن رؤيتنا إلى هذه البلاد، وفاسحين المجالَ، في الوقت ذاته، أمام كمٍّ هائلٍ من الاختلاف الثريّ. سنحاولُ استعادةَ موريتانيا من هامشيّتها التي فُرضتْ عليها، داخليًّا وخارجيًّا، على الرغم ممّا تزخرُ به ويَستحقُّ تناولًا جدّيًّا. وسنسعى إلى الإحاطة بأكبر قدرٍ من زوايا المشهد المحوريّة.
نقومُ بذلك عبر مقالاتٍ متنوّعة تتناول الواقعَ الموريتانيّ، في تجلّياته الثقافيّة والاجتماعيّة والفنّيّة والسياسيّة المتعدّدة، منذ بدايات الدولة الوطنيّة في الستّينيّات وحتّى اللحظة الآنيّة؛ مُستأنسين أيضًا بمجموعةٍ من النصوص الإبداعيّة، لكتّابٍ وشعراءَ موريتانيين، سنقرأها لأوّل مرةٍ، مثلها في ذلك مثل موضوعات الملفّ الأساسيّة التي تتناول الروايةَ والنقدَ الأدبيّ والشعرَ والموسيقى والسينما والصحافة المكتوبة وحضور فلسطين؛ ومن دون أن ننسى مسكَ الختام: مقالة أستاذنا، عالم الاجتماع الموريتانيّ الكبير، عبد الودود ولد الشيخ، وهي مقالة مُعمقّة تتحدّث عن السلطة العسكريّة المتحكّمة في مفاصل البلادِ منذ العام 1978 عبرَ أذرعها وعلاقاتها وآليّاتها المتعدّدة.
لم يكن همُّنا في هذا الملف، الذي أنجز على مدار الأشهر الثلاثة الأخيرة، تقديمَ موريتانيا في مظهرٍ احتفائيّ فارغ، لا ينتجُ معرفةً حقيقيّة. ولم يكن همُّنا تقديمَها في مظهرٍ غرائبيّ، يستذهنُ حولها ــــ بشكلٍ استعلائيٍّ استهلاكيّ ــــ صورةً عجائبيّة. همّنا، في المقام الأوّل، كان منحصرًا في تقديمها كما تُقدِّم نفسَها، في صورةٍ تلقائيّةٍ، أضفينا عليها عمقًا نقديًّا متفحّصًا من أجل أخذِ صورةٍ وافيةٍ عنها.