كنتُ أتابع كلمةَ ممثِّل دولة طوران في مجلس الدول، حين قرّرتُ أن أشتري أرنبًا. الأرنب كائنٌ جميل، يحبّ الملفوفَ والجزر، ولا يؤذي أحدًا. وحتى حين يعتدي على كروم الخضروات فإنّه يفعل ذلك بحبّ.
نعم، سأشتري أرنبًا، وسنصبح صديقيْن. يمكن الأرانبَ أن تصادقَ البشر. في تاريخ الحيوان أمثلةٌ كثيرة، كذلك الأرنب الذي سلّم تيمورلنك خرائطَ المغرب العربيّ على أبواب دمشق قبل قرون.
ثمّ إنّني سأعلّمه الكثيرَ ليصبحَ قِبلةً للأنظار. بل ربّما لن أحتاج إلى ذلك؛ إذ ستمنحه الطبيعةُ موهبةً خارقةً ربّما؛ قد تمنحه الشِّعْرَ مثلًا.
يا الله ما أجملَ هذا: أرنبٌ يرتجل الشِّعْر! يا سلام.
سيقف خلف المنصّة. ينظر في الأفق الأرنبيّ المرسومِ أمامه، ثم يتحوّل بعينيه نحو الجمهور (أرانبَ أو بشرًا ــ ــ تفصيلٌ غيرُ مهمّ)، ويبدأ قائلًا مثلًا:
.عصائرُ العشب الأخضر (لا تنسَ أنّ الأرنب يحبّ العشبَ والملفوفَ والجزر)
تموجُ كليلٍ بنفسجيٍّ ثقيل
أقف خلف عمودٍ نبطيّ في صحراءِ الشام
خلفي غيمٌ وغبار
وأمامي حرّاسُ الهيكل
يتقاسمون امرأةً،
يغمّسون جسدَها في أرزٍّ وزبيب،
ويحتسون النفطَ مع الليمون.
***
سيصفّق الأرانبُ حتى احمرار الأكُفّ. يا عين ما أروع هذا! أو ربّما ستمنحه الطبيعةُ أدبًا.
أرنبٌ روائيّ؟ يا الله، ما أجمله من أرنب! أكرِمْ بهِ من أرنب!
أكرمْ بأرنبٍ غدا للعُرْبِ رابطةً ** وجزرةً وحّدتْ للعُرْبِ معتَقَدا!
ربّما سيكتب روايةً بعنوان: لا أحذية في أقدام الملوك. يااااه، هذا عنوانٌ رائع!ّ
سيكتب ربّما: "حين مرّت المرأةُ من الباب الشرقيّ تمسك بيدها طفلًا، كانت الشمسُ البرتقاليّة تختلط بغيم الشتاء الرماديّ."
يا عين من هذه الفاتحة الروائيّة!
سنصبح صديقيْن. وحين تربح روايتُه أو ديوانُه جائزةً فقد أزوِّجه من أرنوبةٍ جميلة. وسأصطحبه إلى النهر، هناك قرب الجسر، حيث بات يوسف ليلتَه الباردة قبل أن يدخلَ قصر المرأة نصف العارية في رواية أصل العالم.[1]
نعم، صديقي الأرنب، ما أجملك من كائن!
أرانب وبشر.. بشر وأرانب.. جزر وملفوف.. شعر ورواية.. وطن وقضيّة.
مونريال
[1]أصل العالم هو عنوان روايتي الأولى الصادرة عن دار الآداب.
وليد السابق
مهندس وكاتب وشاعر سوري مُقيم في مونتريال. أصل العالم هي روايته الأولى.