قبل أسابيع، أحْيا الشيوعيّون والثوريّون والأحرار، في الوطن العربيّ والعالم، الذكرى المئويّةَ لثورة أكتوبر1917 البلشفيّة، التي خاضها الحزبُ الاشتراكيّ الديمقراطيّ لعموم عمّال روسيا ضدّ انقلاب حكومة كيرنسكي على ثورة فيفري 1917 وعلى مطالب عموم الكادحين الروس. وفي السنة ذاتها نُحْيي الذكرى المئويّة لوعد بلفور، والسبعين لقرار تقسيم فلسطين، والخمسين للعدوان الصهيونيّ سنة 67 ولاغتيال المناضل الأمميّ الرمز تشي غيفارا، والثلاثين لانتفاضة الحجارة.
لكنْ، هل بات أقصى ما نستطيع فعلَه هو "إحياء" ذكرى الملاحم والانتكاسات، بما تحمله من اعتزازٍ وألم؟ هل بتنا عاجزين عن خلق الانتصارات الكبرى كالتي عاشتها الإنسانيّةُ منذ فجر الثورات الأوروبيّة الكبرى في القرن الثامن عشر إلى حدود سبعينيّات القرن الماضي؟ أيُّ واقعٍ يعيشه الشيوعيّون في تونس إثر انتفاضة ديسمبر 2010 ــــ جانفي 2011؟ وأيُّ دور لهم في المرحلة المقبلة؟
لمحة تاريخيّة
تشكّلتْ أولى الأنوية الشيوعيّة في تونس منذ انتهاء الحرب العالميّة الأولى وانتصارِ ثورة أكتوبر، وتُوّجتْ بتأسيس الحزب الشيوعيّ التونسيّ سنة 1920. ومنذ ذلك الحين عَرف النضالُ الشيوعيّ محطّاتٍ مهمّةً في تنظيم العمّال والنساء والنضال ضدّ المستعمِر، والإسهامِ في خلق أولى التجارب النقابيّة المستقلّة عن النقابات الفرنسيّة على يد الزعيم محمد علي الحامي.[1] وأنجب زعماء مهمّين في الحركة الوطنيّة في تونس، مثل حسن السعداوي وجورج عدّة.
ثمّ شهدتْ سنة 1963 تأسيسَ تجمّع الدراسات والعمل الاشتراكيّ في تونس، ويُعرف بـ"حركة آفاق"[2] التي ركّزتْ نشاطَها في أوساط الطلّاب والأساتذة والمثقّفين، وخصوصًا في المهجر. وقد تعرّض مناضلوها لمحاكماتٍ عديدةٍ في السنوات 68 و70 و75 بسبب انتقادهم خياراتِ سلطة بورقيبة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وتسلّطَها السياسيّ، وتضييقَها على الحريّات. وشكّلتْ "آفاق" أحدَ الروافد الأساسيّة[3] لتجارب "اليسار الجديد" مطلعَ السبعينيّات، متمثّلةً أساسًا[4] في منظّمتَي "العامل التونسيّ"[5] و"الشعلة."[6] وقد أثْرت هذه التجاربُ التراثَ الفكريّ والسياسيّ للشيوعيّين في تونس.
هذه التجارب التنظيميّة أسهمتْ بشكلٍ فعّال في الحَراك الطلّابيّ والنقابيّ والاجتماعيّ في تونس طيلة عقود،[7] ووسمتْ بخاصّيّاتها المشهدَ النضاليَّ هنا، وإن تشظّت إلى مجموعات متنافسة ومتناحرة أحيانًا.[8] وقد عرفتْ هذه التجارب محكّيْن مهمّيْن: أوّلهما مطلعَ التسعييّنات، بما رافقه من انهياراتٍ كبرى على المستويين العالميّ والوطنيّ؛ وثانيهما انتفاضة ديسمبر ــــ جانفي 2011 وما رافقها من هزّاتٍ كبرى في البلاد، وما خلقته من إمكاناتٍ جديدةٍ للنضال أغرت العديدين بالتخلّي عن المنهج الشيوعيّ في التحليل والفعل.
لذلك، وقبل التطرّق إلى دور الشيوعيّين ما بعد الانتفاضة في تونس، من الجدير تحديدُ المقصود بـ"الشيوعيّين" في هذا المقال.
مَن نعني بـ"الشيوعيّين" في هذا التحليل؟
يشمل الإرثُ الماركسيّ الثوريّ في تونس عديدَ التقسيمات والمدارس، من لينينيّة وتروتسكيّة وماويّة ومجالسيّة،[9] وغيرها، وما ترتّب عنها من تقسيماتٍ تنظيميّة في صلب التفريع الواحد ــــ وكلُّها تعبِّر عن انتسابها إلى الشيوعيّة، وأغلبُها يَعتبر بقيّةَ الفرق "غير شيوعيّة" ومظهرًا من مظاهر "الانتهازيّة." وهذا ما خلق جدلًا فكريًّا مهمًّا في فترةٍ من فترات تطوّر النضال الشيوعيّ في تونس، وبخاصّةٍ منذ السبعينيّات. ولكنّ هذا الجدل سرعان ما تحوّل إلى آليّةٍ من آليّات التأليب وخلق العصبيّة التنظيميّة، لا من آليّات الفهم والتحليل والنضال.
وبحكم أنّ هذا المقال يَحمل غايةً تحليليّة/نضاليّة، فإنّه سيكون مرنًا في الإجابة عن سؤال "من هم الشيوعيّون المقصودون بهذا المقال."[10] فاعتبارُ التنظيمات نفسها شيوعيّةً معيارٌ مهمٌّ وأوّليّ، ولكنّه غيرُ كافٍ.
إنّ معطيات ما بعد الهبّة الشعبيّة في تونس (وفي أقطارٍ عربيّةٍ أخرى) مطلعَ العام 2011 تَفرض معيارًا جوهريًّا لفرز عموم المقاومين/الثوريّين/الشيوعيّين في تونس، ألا وهو الموقفُ من "مسار غرّة مارس/آذار 2011،"[11] وما تبعه من محطّات في سياق ترميم النظام لأجهزته أو ما اصطُلح عليه بـ"مسار الانتقال الديمقراطيّ." تَميّز هذا المسارُ بمحدوديّة الإصلاح السياسيّ والقانونيّ... مع الحفاظ على خيارات سلطة بن عليّ اللاوطنيّة واللاشعبيّة، وعلى طغمته اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وتعميقِها بخياراتٍ تفرِّط في السيادة الوطنيّة على الثروات والقرار.[12]
ليس من المنطقيّ البتّة اعتبارُ أيٍّ كان، فردًا أو تنظيمًا، "شيوعيًّا" إذا كان ما يزال منخرطًا في هذا المسار ومؤسّساته، وفي الدفاع عنه، خصوصًا بعد ستّ سنوات من إطلاقه وتبيُّنِ فشلِه والتفافِه على مكتسبات الانتفاضة وتفقيره للبلاد وإهدارِه لحقوق الشهداء والجرحى والكادحين. ولا معنى لـ"شيوعيّةٍ" لا ترفع رايةَ المقاومة والثورة، ولا تعمل على إسقاط سلطة الفساد والتفريط في سيادة البلاد، بل تكتفي بمناوشتها ومشاغبتها، ناهيك بمجالستها وإيجاد "التقاطعات" معها.[13]
مكتسباتُ الانتفاضة بالنسبة إلى شيوعيّي تونس وحدودُها
مكّنت الانتفاضةُ الشيوعيّين، وغيرَهم من التعبيرات النضاليّة في تونس، من إمكاناتِ عملٍ كبرى. غير أنّها أتاحت أيضًا معاييرَ إضافيّةً لفرزهم: بين الاستسلاميّين[14] والمهادنين ــــ التصفويّين[15] والانعزاليّين ــــ الدغمائيّين، من جهة، والطاقات المناضلة المثابرة من جهةٍ أخرى. كما مكّنتْ من مجالاتٍ أكبرَ لتواصل المجموعات الشيوعيّة في ما بينها.[16] هذا وقد تجاوزت التنظيماتُ الشيوعيّة انحسارَها طوال عقود في الأوساط الطلّابيّة والنقابيّة والثقافيّة، وفتحتْ آفاقَ نضالٍ أرحب مع التحرّكات الاجتماعيّة الاحتجاجيّة في الأرياف والأحياء الشعبيّة، ولاسيّما تحرّكات المعطّلين عن العمل والمضطهَدين المفتقرين إلى أبسط مقوّمات الحياة (من ماءٍ ودراسةٍ وصحّةٍ وتنمية...).
غير أنّ ما تحقّق يُعتبر محدودًا، نظرًا إلى استمرار تشتّت الشيوعيّين، وغياب كيانٍ تنظيميّ يجمعهم، بل غياب ولو مجرّد مسار لخلق مثل هذا الكيان. إلى ذلك يضاف الارتباكُ في تحديد أولويّات مستويات عملهم: بين ما هو جماهيريّ/علنيّ، وما هو تنظيميّ/ شبه علنيّ، وما هو كفاحيّ/سريّ... خصوصًا مع مغريات العمل العلنيّ التي باتت متاحةً في السنوات الماضية، وفَتحتْ شهيّة العديدين إلى التفكير في تصفية تنظيماتهم الثوريّة والخروج بها إلى العلنيّة لقمةً سائغةً للنظام وأجهزتِه!
كما أنّ من نقائص المجموعات الشيوعيّة ضعفَ وجودها في الأطر النقابيّة والمهنيّة، على عكس التجارب السابقة.
مهامّ الشيوعيين في الوقت الراهن
في هذه المرحلة من تاريخنا بات من المُلحّ النضالُ من أجل الانتقال من مرحلة "الصمود الاستنزافيّ" الذي عانته الطاقاتُ المناضلة في العالم، منذ انقلاب التوازن في سبعينيّات القرن العشرين واحتلالِ الإمبرياليّة موقعَ الطرف المحدِّد في مسار تطوّر البشريّة، إلى مرحلة "المقاومة التحريريّة." ولا يمكن النهوضُ بهذه المهمّة، في تونس أو في الوطن العربيّ، من دون انخراط الشيوعيّين فيها. لذلك تُطرح منذ سنوات في تونس ضرورةُ التفكير والعمل على إطلاق مسار وحدة الشيوعيين وخلقهم حزبًا شيوعيًّا جديدًا ينظِّم طاقاتِهم ونضالَهم ضمن خطّةٍ ثوريّة، ويحافظ على مكتسبات التجربة الحزبيّة الشيوعيّة،[17] مع تلافي النقائص التي عرقلتْ مسار تطوّرها.
ويقوم ذلك أولًا: على أنّ نضالًا احتجاجيًّا/سياسيًّا/مطلبيًّا من دون ركيزة اقتصاديّة مجتمعيّة لا يعدو أن يكون مجرّدَ مناوشة. وهذه الأخيرة ضروريّة لاستمرار الصمود، ولكنّها بعيدة عن تغيير موازين القوى وتطوير إمكانات المقاومة. وبالتالي ينبغي تطويرُ مجالات النشاط الاقتصاديّ المنتِجة الجماعيّة، المنغرسة في احتياجات المجتمعات إلى التركيم الأوّليّ للثروة وتلبية حاجيّاتها الأساسيّة، وعلى رأسها: أ ــــ تطوير أشكال مِلْكيّة الأراضي الفلاحيّة واستغلالها، وذلك بتصفية أشكال الملْكيّة المعرقلة للإنتاج (أراضي الأحباس مثلًا)، وحمايتها من المضاربة العقاريّة والتوسّعِ العمرانيّ، والاستثمار في القطاعات المنتجة المتناسقة مع العادات الغذائيّة المحليّة. ب ــــ الحرص على تطوير أشكال الإنتاج الصناعيّ، المرتبط بامتلاك وسائل الإنتاج الفلّاحيّ أساسًا، وتطوير البحث العلميّ لاستنباط البرمجيّات والتطبيقات التي تسهِّل حياةَ الأفراد وتحسِّن وسائلَ الإنتاج وعلاقاته.
ثانيا: ضرورة تنظيم طاقات المقاومة محلّيًّا ووطنيًّا ودوليًّا من أجل تبادل الخبرات والدعم، ومن أجل خلق ائتلافٍ طبقيّ مقاوم ومنتج في مواجهة الائتلاف الطبقيّ المعرقِل لتطوّر علاقات الإنتاج وتطوّر المجتمعات. وينبغي أن يَحترم هذا الائتلافُ حريّةَ تنظُّم الطبقات المكوِّنة له، وخصوصيّات مصالحها، في إطار التنوّع وشروط العمل التشاركيّ.
ثالثًا: التشديد على العلاقة التفاعليّة الوطيدة بين التطوّر الفرديّ والتطوّر الجماعيّ، فالمجتمعيّ، فالإنسانيّ؛ وعلى أنّ جهد فهم مقوّمات تطوّر أيٍّ من هذه المستويات لا يقلّ أهميّةً عن الجهد النضاليّ من أجل المناوشة أو الاشتباك مع النظام العالميّ القائم، بل هو جهدٌ حاسمٌ في تطوير جدوى هذا الاشتباك في أفق الانتصار على الإمبرياليّة ومصالحها والمستفيدين منها. وهو انتصارٌ قادمٌ متى طوّرنا تمكُّنَنا من آليّات الانتصار، ومتى تلافينا نقائصَ تجارب العشريّات الفارطة، مع التمسّك بما راكمته من خبراتٍ ونضالاتٍ وتضحيات.
تونس
[1] يختلاف المؤرّخون إنْ كان الحامي شيوعيًّا أمْ لا، لكنْ لا تخفى علاقتُه بأوساط الشيوعيّين في ألمانيا حيث تلقّى جزءًا مهمًّا من تكوينه في الجامعة الشعبيّة في برلين.
[2] آفاق هو عنوان المجلّة النظريّة الناطقة باسم التنظيم، وكانت تصدر بالفرنسيّة.
[3] بقيّة الروافد هي: المتطوّعون التونسيّون في فصائل المقاومة الفلسطينيّة، وحلقاتُ الطلبة والمثقّفين التونسيّين في المشرق العربيّ وفي فرنسا، إضافةً إلى ما حرّره الحَراكُ في تونس بداية السبعينيّات (في قطاعات النقل والبريد والنسيج والسكّة الحديديّة) من طاقات متطلّعة إلى تغيير العالم. وكان "اليسار الجديد" في معظمه متأثرًا بانتفاضة ماي 68 في فرنسا، وبالثورة الثقافيّة في الصين الشعبيّة، وبزخم الثورات الفلسطينيّة والجزائريّة والكوبيّة والفيتناميّة، مناهضًا الخيارات السوفياتيّة بعد مؤتمر 1956، ومعاديًا قولًا وفعلًا للإمبرياليّة والصهيونيّة.
[4] في منتصف السبعينيّات انبعث تيّارٌ يعتبر نفسَه مستقلًّا عن "العامل التونسيّ" و"الشعلة" ولكنْ بأطروحات قريبة جدًّا من هذه الأخيرة، يسمّى "الوطنيّون الديمقراطيّون." وكانت حلقاته في الأساس نقابيّة وطلّابيّة.
[5] تَعتبر "العامل التونسيّ" أنّ المجتمع في تونس رأسماليّ تابع، وأنّ طبيعة الثورة في تونس "ديمقراطيّة وطنيّة،" وأنّ أسبقيّة النضال من أجل الحريّات العامّة والفرديّة مرحليّ. وقد كان جزء مهمّ من قياداتها منحدرًا من "حركة آفاق" وحافظتْ على تنوّع مشارب قادتها (من تروتسكيّين، ولينينيّين، وبعثيّين سابقين...).
[6] تعتبر "الشعلة" أنّ المجتمع في تونس والوطن العربيّ "شبه إقطاعيّ شبه مستعمر،" وتدعو إلى النضال من أجل "الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة ذات الأفق الاشتراكيّ،" بما يعنيه من إنجاز مهامّ التحرّر الوطنيّ والإصلاح الزراعيّ. وكانت أكثرَ تأثّرًا آنذاك بفكر ماوتسي تونغ والثورة الصينيّة من "العامل التونسيّ." انحدرت "الشعلة" في الأساس من توحّد مجموعتين شيوعيّتين سنة 1973: "الحلقات الماركسيّة اللينينيّة بتونس" و"التجمّع الماركسيّ اللينينيّ بتونس."
[7] سواء في حركة فيفري 72، أو الإضراب العامّ في 26 جانفي 78، أو أحداث الخبز في جانفي 1984، أو في العدوان على العراق سنة 91.
[8] أبرز التنظيمات المنحدرة من "العامل التونسيّ": "التجمّع الاشتراكيّ التقدميّ" (1983) و"حزب العمّال الشيوعيّ التونسيّ" (1986). وانحدر من "الشعلة" عديدُ المجموعات، أبرزُها: "المناضلون الوطنيّون الديمقراطيّون" (1982) و "حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ" (2005).
[9] متأثرةً بإسهامات الزعيمة الشهيدة روزا لكسمبورغ في تجربة "الرابطة السبارتاكيّة" والحزب الشيوعيّ في ألمانيا، وتُوّجتْ بثورة 1919 التي أجهضتها البرجوازيّةُ الألمانيّة وعملاؤها. من رموز المجالسيّة في تونس المفكّر الراحل العفيف الأخضر، في فترة مهمّة من حياته.
[10] هذا لا يمنع أنّ لكاتب المقال تحديدًا إيديولوجيًّا أكثرَ دقةً لمفهوم "الشيوعيّ،" خصوصًا في مستوى الحزم في تطبيق المنهج المادّيّ الجدليّ على الوضعيّات الواقعيّة، بعيدًا عن الدغمائيّة النصيّة والتجريبيّة المغامرة. ولكنّه يرى أنّ أولويّة تحديد المرجعيّة الفكريّة على الخطّة النضاليّة المشتركة هي أحد أسباب تشرذم الشيوعيّين في البلاد وعجزهم عن فرز المناضلين الشيوعيّين من غيرهم والإبقاء على العصبيّات المتوارثة بينهم. علاوة على أنّه يَعتبر "المرجعيّة الفكريّة" أحدَ مكوّنات الإيديولوجيا ولا تختزلها.
[11] هو تاريخ خطاب الباجي قيد السبسي كوزير أوّل معيّن لإجراء انتخابات المجلس الوطنيّ التأسيسيّ، وتشكيل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسيّ والانتقال الديمقراطيّ كمجلسٍ شبه تشريعيّ، وفضّ اعتصام القصبة 2.
[12] إنّ الطبقة الحاضنة للفساد والإفساد والتهريب والإرهاب والتفريط في السيادة هي الأكثرُ إضرارًا بمصالح الغالبيّة العظمى من الشعب. وهي التي تسنّ القوانين، وتتحكّم في الدواليب الأساسيّة للإدارة والقوات المسلّحة، وتشجّع اقتصادَ السمسرة والوكالة والمضاربة، وتتسلّط على المؤسّسات الماليّة وآليّات التمويل، وتخنق كلَّ إمكانيّة لخلق اقتصادٍ منتِج، وتهيّئ البلاد لانتفاضة قادمة لا ريب، ولوعيٍ جديدٍ وفعلٍ جديدٍ للشيوعيّين وعموم الثوريّين أكثر نضجًا وتنظّمًا وفاعليّةً وشموليّة.
[13] ليس هذا الحكم "تخوينيًّا" أو "تكفيريًّا" بقدر ما يهدف إلى الفصل بين مَن يتحرّك في دائرة المناوشة/الإصلاح، ومَن يتحرّك في أفق تعزيز المقاومة على درب إسقاط النظام.
[14] المقصود: المرتمون في أحضان الائتلاف الطبقيّ الحاكم والمدافعون عنه والمشاركون في حكوماته وخياراته.
[15] المقصود: المكتفون بوضع المعارضة البرلمانيّة والمؤسساتيّة (رغم ما فيه من نواحٍ إيجابيّة في التشهير بالسلطة وافتكاكٍ لبعض الإصلاحات) ولكنْ من دون أفق لتعبئة الشعب وتحرير البلاد من هذه السلطة؛ مع اعتبار أنّ الانتخابات هي الشكل الرئيس لتغيير السلطة وأنّ العمل العلنيّ هو الشكل الرئيس بل الوحيد للنضال.
[16] مثل "حملة مقاطعة الانتخابات" (خريف 2014)، و"الجبهة الثوريّة" (من ماي 2015 إلى صيف 2016)، وقد ضمّت أساسًا: "حزب النضال التقدميّ" و"حزب الكادحين" و"منظّمة العمل الشيوعيّ" وبعض المستقلّين. إضافة إلى الوجود المشترك في حملات مناهضة التطبيع، وإسناد النضالات الاجتماعيّة، والتضامن مع الأسرى الفلسطينيّين ومع جورج إبراهيم عبد الله.
[17] مبادئ المركزيّة الديمقراطيّة، والفصل بين مستويات العمل الجماهيريّ الواسع والتنظيميّ والسّرّي والحفاظ على تلازمها بحسب مستوى تطوّر النضال وبنية الحزب، وضرورة تأكيد وجود مستوى من الوحدة الإيديولوجيّة ووحدة المواقف ووحدة الممارسة العمليّة والوحدة التنظيميّة ووحدة المسلكيّة والحرص على تطوير هذه المستويات.