(إعداد وتقديم: بشّار اللقّيس. شارك فيه ألفبائيًّا: أحمد بلال، أحمد دردير، إسماعيل إبراهيم، جمال واكيم، محمد سيّد رصاص، محمد سيّد رصاص، ميثم الجنابي).
قلّةٌ هي الكتب التي أرّختْ للنهب المنظّم الذي عرفتْه أمريكا اللاتينيّة جرّاء عمليّات التحديث والغربنة. في كتاب إدواردو غاليانو، شرايين أمريكا اللاتينيّة المفتوحة (1971)، ثمّة سردٌ مختلف عمّا عرفه التأريخُ السائدُ من أحداث سياسيّة في أميركا اللاتينية طوال "خمسة قرون من النهب" (عنوان الكتاب الفرعيّ). بعد أكثر من ثلاثة عقود على صدور الكتاب، عاد كتابُ غاليانو إلى الضوء. ففي العام 2009، وخلال اجتماع رؤساء دول أمريكا الجنوبيّة بباراك أوباما، أهداه الرئيسُ الفنزويليّ هوجو تشافيز نسخةً من الكتاب. كأنّ تشافيز أراد القول إنّ القارة اللاتينيّة لم تنسَ مظلوميّتَها بعد، وإنّ العنف المُمارَس باسم الديمقراطيّة ومشاريع صندوق النقد الدوليّ والتحديث الأمريكيّ لم يزل مُمارسًا إلى اليوم.
أحداث فنزويلّا الراهنة لا تبدو بعيدةً عن كتاب غاليانو، أو عن تفاصيل كتاب جون بيركنز، اعترافاتسفّاح اقتصاديّ، وهو شبهُ سيرةٍ ذاتيّةٍ في إقناع دول العالم النامية بقبول الديون من الشركات الأميركيّة إشباعًا لنهم هذه الأخيرة. ثمّة عمليّة إفقار ممنهجة قادها النظامُ الدوليّ ضدّ دولةٍ هي آخرُ القلاع الحمراء الجنوبيّة، التي ما تزال ترفع صوتها ضد الهيمنة الأميركيّة وتنادي بالعدالة لفلسطين والعرب. لكنّ الإشكاليّة تبدو أكثرَ تعقيدًا وتداخلًا. فللأزمة الفنزويليّة أسبابُها الداخليّة، وضمنها أخطاءٌ ذاتيّةٌ متراكمة في تجارب الحكم، وتجارب اليسار، شأن تجارب أخرى في العالم، وفي دول أميركا الجنوبيّة بشكل خاصّ.
من أيّ موقع نُطلّ على المشهد الفنزويلّيّ اليوم؟
يصعب أن نتجنب النظرَ إلى ذلك المشهد بغير عيوننا العربية. فالتهديد العسكري الأميركي الذي تتعرّض له فنزويلا اليوم يشبه التهديد الأميركيّ السابق (والمتجدد) لدول عربية إنْ لم تنصع لـ"الديمقراطية" الأميركيّة. ومكامنُ الخلل في البنية الفنزويليّة تذكّر بنظيرتها في البنى العربيّة، وهي مكامن استُخدمت تبريرًا لفرض الإرادة الأميركية وبسط الاستعمار الجديد.
في هذا الملف تحاول الآداب تقديمَ زوايا متعدّدة لرؤية الحدث الفنزويلي ولأخذ العبر منه، بما يتجاوز تبريرَ الاستعمار للتخلّص من الفساد، أو تبرير الفساد لمحاربة الاستعمار.